أرسل لي احد الزملاء خبرا طريفا عن هوس التأمينات في الولايات المتحدة وفيه ان احد نجوم الكوميديا القدامي كان يعاني من حول العين فاصبح هذا العيب الظاهر احد اسباب نجاحه في اضحاك الناس. ومن هنا قرر ان يؤمن علي عينيه المحولتين بآلاف الدولارات خشية ان يزول عنه الحول فيفقد حظوته عند الجمهور.
وفي الخبر نفسه جاء ان قيمة التأمين علي ساقي ديفيد بكهام نجم كرة القدم بلغ مئة مليون دولار.
قلت لنفسي: طيب. وماذا تفيد ملايين الدولارات لو اصاب بكهام مكروه فمات او اصابه شلل منعه من لعب الكرة او تدريب نجومها الصاعدين؟ لابد انه جمع مالا يكفيه ويكفي فكتوريا , زوجته من فساتين اخر موضة ومجوهرات اخر شياكة الي اخر العمر. لو اصاب ساقه مكروه لن تزيده الدولارات غني ولن تعيد اليه ساقه المعطوبة او تعيد اليه الحياة اذا لفظ نفسه الاخير.
وحين بلغت هذا المنعطف في التفكير تذكرت ان الزميل الذي ارسل لي الخبر سألني: وانت , علام تؤمنين؟
استفزني السؤال فتذكرت انني وكافة اصدقائي وزملائي نمتلك سيارات وان السيارة لا يسمح لها بالانطلاق في الشوارع والميادين من قبل ان يدفع صاحبها قيمة التأمين لا خوفا علي صاحب السيارة نفسه وانما خوفا علي اصحاب السيارات الاخري في حالة وقوع الحوادث. فشركات التأمين تتدخل وتحكم بين المتخاصمين وتدفع قيمة التلف للمتضرر البرئ. والي جانب ملاك السيارات نجد ان ملاك البيوت مجبرون بحكم القانون علي التأمين علي بيوتهم لاعادة بناء ما تلف في حالة وقوع الزلازل والبراكين والفياضانات والاعاصير كما حدث مؤخرا في نيويورك ومن قبل في لويزيانا.
ولولا بوليصة التأمين الراقدة في احد ادراج مكتبي لعشت في قلق يومي خوفا من تعطل ماكينة غسل الثياب او من ان يلفظ البراد اخر انفاسه . وماذا لو رفض الفرن ان يؤدي خدماته اليومية؟ في تلك الحالة لا يسعفني سوي رقم الهاتف المدون علي بوليصة التأمين.
كل شيئ في الغرب قابل للتأمين بدءا بالتأمين علي الحياة ومرورا بالتأمين علي القروض البنكية. فانت تقترض من البنك لكي تخرج من ازمة ولكن البنك يصر قبل تسليمك قيمة القرض ان تؤمن علي قدرتك علي تسديد الاقساط.
ورغم هذه الحقائق كلها فان أعز ما املك لا يمكن التأمين عليه. عشرة ملايين جنيه لا تعوضني عن نور عينيي. ومائة مليون لا تعوضني عن سمعي. والف مليون لا يمكن ان تعوضني عن قدرتي علي شم رائحة الزهور في الصبح المبكر . ولو وجدت نفسي مثل روبنسون كروزو وقد لفظني موج البحر علي جزيرة مهجورة لن يضيرني ان اعيش بلا غسالة ثياب وفرن كهربائي وتليفزيون ملون مادمت محتفظة ببصري وسمعي وانفي لأنها هبات لا تشتري بالمال. سوف اغسل ما تبقي من ثيابي في مياه البحر واطهو الطعام علي نار وقودها حطب ولن اجلس امام الشاشة الصغيرة التماسا لتسلية مادامت الكائنات الحية بانواعها تناديني لاكتشاف انواعها وعاداتها.
في مساء اليوم نفسه سألت زوجي: لو طلب منك ان تؤمن علي شيئ فماذا يكون جوابك؟
قال: ليس عندي ما يمكن التأمين عليه. هل يمكن التأمين علي الفكر مثلا؟ علي السمع والبصر والافئدة؟
قلت لا. قال: لا تشغلي بالك. قطاع التأمين هو اليد الثالثة التي يسيطر بها اصحاب الثروة علي عامة البشر, يدخلون من باب الخوف ويخرجون وقد حملوا ما خف حمله وغلا ثمنه.
فسألته: وما هي اليد الاولي والثانية ؟
قال: البنك. والسوبر ماركيت.
فوزية سلامة