بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما حقيقة الصبر؟ :
أيها الأخوة الكرام, الإمام النووي -رحمه الله تعالى- عقد في كتابه رياض الصالحين, باباً عن الصبر سُمي الباب: باب الصبر, بدأه ببعض الآيات الكريمة, وهي قوله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾
[سورة آل عمران الآية:200]
هذه الحقيقة: حقيقة الصبر, تعني: الإيمان.
هل كل المخلوقات قبلت حمل الأمانة؟ من الذي قبلها, وما هي الأمانة؟
الله عز وجل عرض الأمانة على السموات, والأرض, والجبال, أي على كل المخلوقات في عالم الذر, وعالم الذر قبل عالم الصور:
﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
[سورة الأحزاب الآية:72]
يعني: جزء من هذه المخلوقات: قبلت حمل الأمانة؛ الأمانة عطاء متميز, سعادة أبدية, لكن لها ثمن, في تكليف.
يعني: كل إنسان له دخل, أما إن أردت دخلاً غير محدود, هذا يحتاج إلى جهد كبير, إلى شهادة عالية جداً, وﺇلى مغامرة, فأكثر المخلوقات: أبت حمل الأمانة:
﴿وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾
[سورة الأحزاب الآية:72]
لكن الإنسان حملها, فلأنك إنسان, معنى ذلك: أنك قبلت حمل الأمانة, ما الأمانة؟ نفسك التي بين جنبيك.
الدليل من الكتاب على أن النفس البشرية هي الأمانة التي أوكلها الله للإنسان :
الدليل:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾
[سورة الشمس الآية:9]
﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾
[سورة الشمس الآية:10]
نفسك أمانة بين يديك أوكلت لك, أُطلقت يدك في نفسك؛ فإما أن تعرفها بالله, وإما إن تبقيها جاهلة, إما أن تحملها على طاعة الله, وإما أن تسمح لها بالتفلت, إما أن تنطلق من الإحسان للخلق, وإما أن تنطلق من الإساءة إليهم, إما أن تجعلها صادقة أو كاذبة, مخلصة أو خائنة, محسنة أو مسيئة, فنفسك بين يديك؛ إما أن تقودها, وإما أن تقودك هي, إما أنك تحابيها, أو هي تحابيك, ونفس الإنسان ذاته, وهذه النفس لا تموت, لكنها تذوق الموت.
اختر الإجابة الصحيحة: هل تموت النفس البشرية أم تذوق الموت؟ :
قال تعالى:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾
[سورة آل عمران الآية:185]
لا تموت.
النفس -كما قال العلماء, استنباطاً من قوله تعالى-: نفخة من روح الله:
﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾
[سورة الزخرف الآية:77]
النفس لا تموت, لكنها تذوق الموت, في النهاية:
((فو الذي نفس محمد بيده, ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار؛ إما في جنة يدوم نعيمها, أو في نار لا ينفد عذابها))
هذا مقياس الفلاح عند الله :
فمن هو العاقل؟ من هو الذكي؟ من هو الموفق؟ من هو الفالح؟ من هو الفائز؟ الذي زكى نفسه بمقاييس الناس, في مقياس آخر:
اشترى أرضاً بثلاثين ألف حر, صار ثمنها ثلاثون مليون, الناس يعدونه ذكياً جداً, وفالحاً جداً, عنده أولاد, وكلهم أطباء, ومهندسون, لكن لا يوجد فيهم دين, لكن قمم في المجتمع, يمشي بالعرض, عنده بيت, أخذوه بثلاثين ألف, صار ثمنه ثلاثون مليون, عنده وكالة حصرية, ربحه اليومي نصف مليون.
هذا مقياس الناس؛ يعني تزوج امرأة جميلة, عنده أولاد نجباء, بيته فخم, مركبته رائعة, له شركة اتصالات مع الناس, رجل يعيش عصره, يسافر, يجلس في أماكن جميلة, هذا مقياس الفلاح عند الناس, لكن مقياس الفلاح عند الله:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾
[سورة الشمس الآية:9]
﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾
[سورة الشمس الآية:10]
لأن الحياة .......
الذي عنده خط هاتف في البيت, وقُطع هذا الخط يضيع, يقول لك: كنت مقطوعاً عن العالم الخارجي, الموت ليس يسحبون خط الهاتف منك, يسحبون منك كل شيء, هو خط هاتف لو سحب منك لا تحتمل.
إنسان يسكن في بيت, يعني في موقع ممتاز, ونظيف, لكن أجرة, يوجد عليه دعوة إخلاء, الدعوة نجحت وبالتنفيذ, وجاء المسؤولون ليضعوا أغراضه في الطريق, يعني المصيبة كبيرة جداً, الموت أبلغ من ذلك؛ الموت لا بيت, ولا سيارة, ولا تجارة, ولا زوجة, ولا ولد, ولا مال, ولا شيء, كل شيء جمعته في الحياة الدنيا, تخسره في ثانية واحدة إلى القبر, تحت الأرض, ماذا في القبر؟ في القبر عمل الإنسان.
من مقومات الأمانة :
فلذلك: درس الصبر اليوم: دقيق جداً؛ لأنك إنسان, أنت قبلت حمل الأمانة, والأمانة نفسك التي بين جنبيك, أنت حينما قبلت حمل الأمانة, أعطاك الله مقوماتها, أعطاك كوناً سخره لك:
﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾
[سورة الجاثية الآية:13]
لأنك قبلت حمل الأمانة, أعطاك قوة إدراكية العقل, مبادىء العقل تنطبق على مبادىء الكون, لأنك قبلت حمل الأمانة, أعطاك حرية الاختيار:
﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾
[سورة البقرة الآية: 286]
﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
[سورة الكهف الآية:29]
لأنك قبلت حمل الأمانة, أودع الله فيك الشهوات قوى محركة:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾
[سورة آل عمران الآية:14]
أعطاك الكون, أعطاك عقلاً, أعطاك شهوة, أعطاك اختياراً, أعطاك إرادة, أعطاك قوة فيما يبدو, شيء كثير؛ تقف, تتحرك, تنام, تؤسس مشروعاً, تتزوج, أعطاك قوة, ثم أعطاك منهج شريعة.
زبدة القول :
فالآن ملخص ملخص الملخص: لأنك إنسان مخلوق للجنة, الجنة لها ثمن, الثمن: ضبط الشهوات, ضبط الشهوات هو الصبر, الإيمان هو الصبر.
يعني: الله عز وجل أودع لكل إنسان حب النساء, حتى الأنبياء.
قال لك: تزوج, مسموح لك أن ترى زوجتك, أن تستمتع بها, وأن ترى أمك, وأختك, وابنتك, وخالتك, وعمتك, وابنة أخيك, وابنة أختك, هذه المحارم, وما سوى ذلك: عليك أن تغض البصر, شيء جميل, هذا الصبر؛ الصبر: غض البصر.
أعطاك مالاً, والمال محبب, قال لك: أنفق منه ابتغاء وجه الله, إنفاق المال يحتاج إلى جهد, يحتاج إلى صبر, غض البصر يحتاج إلى صبر, أن تصلي الفجر في وقته يحتاج إلى صبر, أن تضبط اللسان يحتاج إلى صبر, أن تخوض معركة في سبيل احتمال الموت كبير جداً يحتاج إلى صبر, فالصبر هو الإيمان.
الدليل من الكتاب على أن الصبر هو الإيمان :
الدليل:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾
[سورة النازعات الآية:40]
﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾
[سورة النازعات الآية:41]
الجنة ثمنها: أن تنهى النفس عن الهوى.
من روائع هذا الدين :
الشيء اللطيف جداً بهذا الموضوع: هو أن الله عز وجل, ما من شهوة أودعها في الإنسان, إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها, لا يوجد في الدين حرمان, لكن في تنظيم, لذلك قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾
[سورة القصص الآية:50]
المعنى المخالف: لو أنك اتبعت الهوى وفق هدى الله عز وجل, لا شيء عليك.
أنت مخلوق للجنة والجنة ثمنها أن تصبر :
إنسان اشتهى المرأة تزوج, لا شيء عليه, يقارب امرأته, ويصلي قيام الليل, أما لو نظرت إلى امرأة لا تحل لك, لا تستطيع أن تصلي صلاة متقنة, تشعر بحجاب, هناك صار في اتصال كامل, وصار في بكاء بقيام الليل, هنا صار نظرة فقط, تلك مسموح بها, أما هذه محرمة, هذا الفرق؛ فالإيمان صبر, الإيمان صبر, صبر في الكلام.
تعرف قصة ممتعة جداً, وأنت تجلس في جلسة بنزهة, وإن حكيت عن إنسان, ضحكوا, وانقلبوا على نصفهم, لكن هذه فيها غيبة, فعاكست هوى نفسك وسكت؛ ضبط اللسان يحتاج إلى صبر, ضبط العين يحتاج إلى صبر, أن تصلي الصلوات الخمس بإتقان تحتاج إلى صبر, أن تكظم غيظك تحتاج إلى صبر, هو الدين كله صبر, هو الصبر ثمن الجنة, أنت في الأصل مخلوق للجنة, والجنة ثمنها أن تصبر:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا﴾
[سورة آل عمران الآية:200]
﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾
[سورة الطور الآية:48]
كم موضوع للصبر؟ :
موضوع الصبر ثلاثة موضوعات, يجب أن تصبر على الطاعة, طاعات, تكاليف, إنفاق؛ المال يحتاج إلى جهد, المال محبب, أداء الصلوات يحتاج إلى جهد, صيام رمضان يحتاج إلى جهد, أداء الحج يحتاج إلى جهد, ضبط اللسان, غض البصر, تربية الأولاد, معاملة ...... كله يحتاج إلى جهد, تكليف, ذو كلفة, عمل مكلف.
((إن عمل الجنة حزم بربوة, وإن عمل النار سهل بربوة))
فلذلك: أنت مخلوق للجنة, والجنة ثمنها ليس الحرمان, ولكن الانتظام, ليس الحرمان, ولكن الضبط.
ما هو الشرع؟ :
قلت البارحة في خطبة: أن الإيمان درجة أخلاقية, لأن المؤمن محكوم بمنظومة قيم, يوجد عنده حرية:
((الإيمان قيد الفتك))
حركتك وفق برنامج, في شيء مسموح, شيء غير مسموح, ما هو الشرع؟.
كل شيء بحياتك له حكم شرعي, لا يوجد شيء مباح, تحب أن تأكل فاصولياء اليوم, لا بامية, لا باذنجان, لا كوسا, هذا مباح؛ في شيء مستحب, في شيء سنة غير مؤكدة, في سنة مؤكدة, في واجب, في فرض, وفي مكروه كراهة تنزيهية, مكروه كراهة تحريمية, وحرام.
فأنت منذ أن تستيقظ, حتى تنام, كل شيء بحياتك له حكم شرعي, والإنسان بعد أن يؤمن بالله عز وجل, ولا شيء يعلو في حياته على معرفة الحكم الشرعي, لأنك بعد أن عرفت الله, ينبغي أن تعبده, القضية منطقية, عرفت الله, الآن في طور التقرب إليه, لا يوجد شيء يقربك من الله كطاعته, كيف تطيعه؟ بمعرفة أمره ونهيه.
لذلك: معرفة الأحكام الشرعية: فرض واجب على كل مسلم, لأنه بهذه الأحكام تتقرب إلى الله.
الإيمان منظومة قيم :
اليوم كنا بزيارة مريض, موضوع على الباب حبلة طرف, هذه حرام, هذه من الشرك, يوجد أناس يضعون حبلة بطرف, أناس يضعون عيناً وفيها سهم, أناس يضعون خرزة زرقاء, هذا كله شرك, ليس إلا الله؛ هو وحده النافع, هو الضار, هو المعطي, هو المانع, هو الرافع, هو الخافض, نوع من أنواع الشرك, حتى أن تقرأ حظك هذا الأسبوع في المجلة حرام, محرم.
((من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر, من أتى ساحراً فلم يصدقه, لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً, ولا دعاء أربعين ليلة))
أحياناً بالسيران: تأتي النجمة يلهون, يقول لك: لهو, منزعجون, نعطيها قرشين, فقيرة, تكلم لنا: حرام؟ فقيرة: أعطها مالاً فقط.
أحياناً: بالجلسات, بالبيت: فنجان القهوة, أيضاً حرام, فالمؤمن يوجد عنده أشياء محرمة, الإيمان منظومة قيم.
فلذلك -يا أيها الأخوة-: الإيمان يعني الصبر, الصبر فقط, الصبر: ضبط الشهوات بمنهج الله:
﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾
[سورة القصص الآية:50]
أما الذي يتبع هواه وفق هدى الله, لا شيء عليه, لأنه ما من شهوة أودعها الله في الإنسان, إلا وجعل لها قناة نظيفة تجري خلالها.
تعليق :
فالآية الأولى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا﴾
[سورة آل عمران الآية:200]
لي تعليق على هذه الآية: ما الذي جعل المسلمون متفلتين؟ لماذا المسلمون اليوم مليار ومئتا مليون ليست كلمتهم هي العليا؟ أمرهم ليس بيدهم؟ للكفار عليهم ألف سبيل وسبيل؟ مع أن الله عز وجل يقول:
﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾
[سورة النساء الآية:141]
لماذا لا يدافع الله عنا؟:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾
[سورة الحج الآية:38]
﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾
[سورة محمد الآية:7]
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾
[سورة النور الآية:55]
-أين الاستخلاف؟-:
﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
[سورة النور الآية:55]
-أين التمكين؟-:
﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
[سورة النور الآية:55]
أين التطمين؟ هذا سؤال كبير, جوابه صغير.
فالإسلام منهج كامل, يعني تجاوزاً مئة ألف بند؛ صلى, صام, حج, زكى, كم بند قدم؟ أربعة بنود, بقي عليه تسعمئة وأربعة وتسعين ألف بند, معنى ذلك: الذي يصلي, يصوم فقط, ولم تكن تجارته إسلامية, وبيته إسلامي, وطعامه إسلامي, وكلامه إسلامي, ونزهته إسلامية, وحزنه إسلامي, وفرحه إسلامي, هذا ليس مسلم.
أساس تخلف المسلمين: أن هذا المنهج العظيم, الذي هو مئة ألف بند, ضغطوه, ضغطوه, صغروه, عملوه خمسة بنود, أربعة بنود, أضافوا له الأناشيد انطرب, أضافوا له الرقص حضرات, فشيء مضحك الميلوية .....
الإسلام أعظم من هذا؛ الإسلام منهج الحياة, الإسلام هو الحياة, الإسلام منهج كامل.
لذلك العلماء قالوا: أي أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.
يجب أن تصبر وتعين الآخرين على الصبر :
الآن: أول آية:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا﴾
[سورة آل عمران الآية:200]
يجب أن تصبر:
﴿وَصَابِرُوا﴾
[سورة آل عمران الآية:200]
يجب أن تعين الآخرين على الصبر؛ تصبر وتُصبِّر الآخرين, ذكرهم بالآخرة, بالإيمان ....
سيدنا عمر قال: كان إذا أصابته مصيبة قال: الحمد لله ثلاثاً, أول حمد لله: إذ لم تكن في ديني.
ما دام بيتك سليماً؛ لم تخرق الاستقامة, لم تقع في حرام, أهلك مستورون, بناتك صالحات, أولادك أطهار, ذهب المال, يأتي المال مرة ثانية, عليك أن تصبِّر الآخرين.
الابتلاء من خصائص المؤمن :
الآية الثانية: يبدو أن الابتلاء من خصائص المؤمن. قال تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾
[سورة البقرة الآية:155]
﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾
[سورة البقرة الآية:156]
معنى من خصائص الحياة الدنيا: الابتلاء.
((أشد الناس بلاء الأنبياء, وأشدهم بلاء أنا, ثم الأمثل فالأمثل))
حديث يكشف لنا حقيقة الحياة الدنيا :
من هنا خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال:
((إن هذه الدنيا دار التواء
-ليس من الممكن أن تأتي الدنيا كاملة, صحة, الزوجة يوجد فيها مرضين, ثلاثة, الزوجة صحيحة, الأولاد يوجد عندهم بعض المشكلات, الأولاد جيدون, والزوجة جيدة, أنت معك مشكلة, الصحة كلها طيبة, الدخل قليل, الدخل كثير لا يوجد أولاد, الزوجة عقيمة, يعني دائماً في مشكلة-.
إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء, ومنزل ترح لا منزل فرح, فمن عرفها لم يفرح لرخاء, ولم يحزن لشقاء, قد جعلها الله دار بلوى, وجعل الآخرة دار عقبى, فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً, وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا, فيأخذ ليعطي, ويبتلي ليجزي))
الصبر أجره مفتوح :
أيها الأخوة, أما هذا الذي صبر, ليس له أجر محدود, أجره مفتوح. قال:
﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
[سورة الزمر الآية:10]
الآن: كل وظيفة في الدنيا لها معاش, إلا في بريطانيا, القاضي ليس له معاش, معه شيك مفتوح, أحب أن يأخذ خمسين ألف جنيه, مليون, يعني هذا القاضي ليس له دخل محدود, دخله غير محدود, والصابر -أيضاً- ليس له أجر محدود:
﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾
[سورة الزمر الآية:10]
هنيئاً لمن كان مؤمناً, وساق الله له مصيبة, وصبر عليها, وقال: حسبي الله ونعم الوكيل, يا ربي لك الحمد.
قف هنا :
الآية التي بعدها:
﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾
[سورة الشورى الآية:43]
وأحياناً الإنسان: يأتيه قضاء وقدر على يد إنسان.
أحياناً: ابنه -لا سمح الله- يقع من الشرفة, يموت, لا يوجد خصم أمامه, يقول لك: حادث قضاء وقدر.
أحياناً: سائق يدهس ابناً, أنت أمامك شخص, هو متسبب بالقتل, هنا الإنسان يحتاج إلى صبر أشد؛ يجب أن يرى أن هذا فعل الله, وأن يعفو عن هذا الذي أجرى الله على يده هذا القضاء, إن كان العفو يقربه إلى الله:
﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾
[سورة الشورى الآية:40]
هذا حال المؤمن :
والآية التي بعدها:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾
[سورة محمد الآية:31]
يقول عليه الصلاة والسلام:
((عَجَباً لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر فكان خيراً له, وليس ذلك لغير المؤمن))
[أخرجه مسلم في الصحيح]
هذا المؤمن, المؤمن مثل المنشار؛ بالسراء يرقى, وبالضراء يرقى, بالخير يرقى, وفي المصيبة يصبر, في الرخاء شكور, وفي البلاء صبور.
ومن أقوال النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات الوفاة:
((إن لله ما أخذ, وله ما أعطى))
دعوة رجاء :
وأرجو الله سبحانه وتعالى: أن تنقلب هذه الآيات, وهذه الأحاديث واقعاً نعيشه, المؤمن صابر؛ لكن يصبر لله:
﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾
[سورة المدثر الآية:7]
يصبر, ويستعين على الصبر بالله:
﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾
[سورة النحل الآية:127]
يصبر ويصابر؛ يصبر, ويصابر, ويستعين بالصبر بالله, ويصبر لله عز وجل, والجزاء بغير حساب, والحمد لله رب العالمين.
دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين